أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / حرب أوكرانيا ومقتل المعايير الأخلاقية والقيمية الأوروبية

حرب أوكرانيا ومقتل المعايير الأخلاقية والقيمية الأوروبية

ان الحرب الروسية على أوكرانيا وعلى الرغم من تأثيراته العالمية، لم تؤد إلى تغيير التوازن العالمي، لكنها تركت تأثيرات على السياسة الدولية، مع هذا فان مسار التطورات المستقبلية ونهاية حرب أوكرانيا تحدد بانه هل تعرضت علاقات السلطة والتوازن على المستوى العالمي إلى تغييرات أم لا؟ لكن حتى لو لم تحدث حرب أوكرانيا وتداعياتها وانتهاءها تأثيرا كبيرا وجوهريا على النظام العالمي، فانه من المؤكد بأنها تركت تأثيرات مدمرة على البنى التحتية والأنظمة الإقليمية خاصة في أوروبا والبلقان والقوقاز وغرب آسيا وبمختلف المستويات.

ان أول واهم تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ظهرت حتى قبل تحديد مصير الحرب النهائي، في الحقيقة وبعيدا عن أي نتيجة ستؤول إليها الحرب، فان هذه الحرب كتبت نهاية لروسيا الأوروبية/روسيا الغربية. فلو تجاهلنا النطاق الجغرافي الكبير لروسيا حتى شرق حدودها في القارة الآسيوية والعدد القليل من الروس من الأصول الآسيوية في هذا البلد الكبير، فان كل المعايير والمكونات التاريخية والثقافية والدينية لروسيا تدل على انتماءها إلى أوروبا، في الواقع ان روسيا تعد جزءا من تاريخ الغرب وحضارته، مع هذا فان روسيا دائما ما تعاني من حالة “غريب في أوروبا”، وقد يمكن اعتبار الحرب الأوكرانية منعطفا تاريخيا في خروج روسيا أو إخراجها من أوروبا والحضارة الغربية.

ان النتيجة الأخرى للحرب الأوكرانية تتمثل في عودة أوروبا إلى عهد الصراعات الجيوسياسية وعبورها من أوروبا المعيارية والقيمية إلى أوروبا المتمحورة حول المصالح والقوة. بعبارة أخرى فان أوروبا تسير أكثر من أي وقت مضى طيلة العقود السبعة الماضية نحو إضفاء الطابع الأمني عليها، والنتيجة هي نهضة المؤسسات الأمنية وتعزيز الجيوش الوطنية ونمو الانتماءات العسكرية، وزيادة التوترات السياسية في المناطق المتأزمة، واتساع نطاق الفجوات الأمنية في أوروبا، إضافة إلى الفجوات الظاهرة في البنى التحتية في الدول الجوار ومنها غرب آسيا، ان إحياء الناتو يعد بمثابة أقوى اتحاد عسكري في التاريخ تم على حساب المؤسسات الأوروبية وبالتالي يتم تعزيز دور التيار الذي تتزعمه الولايات المتحدة داخل الناتو.

ان إضفاء الطابع الأمني على أوروبا وتأجيج الفجوات الجيوسياسية جعل مشروع الوحدة الأوروبية الذي يمتد تاريخه إلى سبعة عقود وخاصة رمزه أي الاتحاد الأوروبي يواجه ضغوطات بنيوية وبالتالي تم تقليل دور الاتحاد الأوروبي في خضم الحرب الأوكرانية إلى إعداد قوائم عقوبات طويلة.

ان الاتحاد الأوروبي واجه أربع أزمات طيلة العقود السبعة الماضية وهي الأزمة الأمنية أي الحرب في البلقان في التسعينات، والأزمة الاقتصادية أي انهيار الأسواق المالية في عام 2008 والأزمة الأخلاقية أي التعامل غير الإنساني مع اللاجئين السوريين والأزمة السياسية أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد جرب في كل تلك الحالات الإخفاق، وهذه المرة فانه وفي مواجهة اكبر أزمة عسكرية في العقود السبعة الماضية انتهك المعايير الأخلاقية والقانونية التي وضعها بنفسه، وهي ممارسة التمييز العنصري في معاملة اللاجئين والتمييز الديني و.. على هذا لا يعد من المبالغة ان قلنا بأنه تم قتل المعايير الأخلاقية والقيمية في أوروبا في حرب أوكرانيا، على حساب المصالح الجيوسياسية والأمن.

ان قطع العلاقات بين أوروبا وروسيا في مجال الطاقة أو عدم الثقة المفرطة بروسيا كونها المصدر الرئيس لتوفير الطاقة في أوروبا يحدث تغييرات جذرية في جيوسياسية الطاقة في أوروبا وعلى نطاق واسع في العالم بأسره، فلو افترضنا بأنه يتم قطع مسار نقل الطاقة من روسيا إلى أوروبا، فان المصادر البديلة لتوفير الطاقة ومنها غرب آسيا وشمال إفريقيا تدخل الساحة، فتزداد مكانتها ودورها، هذا الأمر يؤجج الصراعات الجيوسياسية في غرب آسيا وكذلك الصراعات بين أكبر مصدري الطاقة في العالم.

مهما كانت النتائج التي ستؤول إليها الحرب الأوكرانية (السقوط أو التقسيم أو الحفاظ على وحدة أراضي طرف ما أو هزيمته أو الانهيار السياسي للطرف الآخر) فانه يستحيل العودة إلى نظام ما قبل الحرب الباردة، قد تحدد نتيجة الحرب الأوكرانية ملامح العالم الغربي/ما بعد الغربي، وان نتيجة الحرب الأوكرانية قد تسرع وتيرة انهيار النظام الليبرالي الغربي، وتعزز أسس النظام الجديد في العالم ما بعد الغربي، أو إنها تقود العالم نحو ثنائية النظام الغربي الليبرالي/فوضوية نظام ما بعد الغربي.

عن خاکسار

شاهد أيضاً

عشرات صواريخ الكاتيوشا تدك قاعدة اسرائيلية ردا على قصف البقاع

قصفت المقاومة الاسلامية في لبنان، اليوم الاثنين، مقر قيادة فرقة الجولان (210) في ‏قاعدة نفح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *