أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / آفة الحرية في العالم المعاصر

آفة الحرية في العالم المعاصر

هناك علاقة عكسية بين الحريات الفردية والصلاحيات التي تتمتع بها الحكومات، بمعنى انه كلما زادت نسبة صلاحيات الحكومة، فُرضت القيود والمحدودية على الحريات الفردية، على هذا فان الحصول على الحريات الفريدة يعني تحديد صلاحيات الحكومات. ولهذا تعني الحرية وضع الحدود للحكومة؛ أو عدم سماح المواطنين بزيادة الحكومات نطاق صلاحياتها عبر السبل الديمقراطية أو غير الديمقراطية بمختلف أشكالها، ومن جهة أخرى بذلهم المساعي لسلب صلاحيات الحكومة التي منحت فيما سبق. هذا هو معنى الحرية، ومن هذا المنظار لو نظرنا إلى مفهوم الحرية لعرفنا حينها بان الناس يعزفون عن الحرية عاجلا أو آجلا ذلك لاعتقادهم انه يجب توسيع نطاق صلاحيات الحكومات، غني عن القول بأنهم يقصدون بان تدخلها يصب في المصلحة العامة ويريدون ان تتمتع الحكومات بالصلاحيات كي تتدخل بنوايا حسنة في حياة المواطن.

ان مشكلة كثير من الناس لا تتجلى في تدخل الحكومة في حياة الناس، لكن يقصدون لماذا تتدخل الحكومة في “كذا قضية”؟! بدلا من ذلك، لتتدخل في قضية أخرى. ثم ان القضية تصبح أكثر تعقيدا. على سبيل المثال يتوق المواطنون إلى توسيع البيروقراطية الحكومية. إن توسع الحكومة وتضخمها يعني زيادة الوظائف الحكومية، وهناك دائما شريحة من المجتمع تتوق إلى الوظائف الحكومية وتريد استلام الرواتب من الحكومة. إنما الوظيفة الحكومية هي مكان جيد للهروب من المنافسة الاجتماعية الشديدة في المجتمع الحر. ليس من المستبعد أن يفضل الشخص الذي لا يستطيع أن يصبح كاتبا الجلوس في مكتب ويصدر أوامره للكتاب. أو قد يفضل شخص غير قادر على الإنتاج أن يصبح بيروقراطيا ليتحرر من الضغوط الناجمة عن الدخول في عملية الإنتاج. ملخص القول وأنا لست بصدد إصدار حكم نهائي، هناك دائما حاجة إلى البيروقراطية الحكومية، وهناك دائما من يفضلون التوظيف الحكومي إذا ما خيّروا بين العمل الحر والتوظيف الحكومي. وهم بطبيعة الحال يرحبون بتضخيم بيروقراطية الدولة. عندما تصبح الحكومة مضخمة، فهذا يعني أن الحرية مقيدة، أي أنهم مستعدون وبغية تحقيق حياة خالية من المتاعب، التقليل من نطاق حرية المواطنين.

عن هذه القضية لو وجهنا سؤالا لليساريين، فسوف يقولون على الفور أن الحرية تمكن طبقة واحدة في المجتمع من الحصول على قوة اقتصادية عالية، ونتيجة لذلك، ستحدد حرية الآخرين. لنؤيد حجتهم ولو لبرهة من الزمن، ولكن إذا يمكن لشريحة متفرقة ان تمتلك كل أنواع المنافسة الداخلية وتتحول إلى ليفياتان من خلال القوة الاقتصادية فقط، فإن الحكومة لديها، بالإضافة إلى القوة الاقتصادية، مجموعة متنوعة من الآليات السياسية والقانونية والعسكرية والتشريعية والقضائية القوية وقوة بشرية هائلة ولديها قوة متماسكة، وخطيرة جدا، فاذا كانت القوة الاقتصادية تصنع ليفياتان، ألا يصنع مجموع القوة الاقتصادية والسياسية والتنفيذية والقضائية والتشريعية ليفياتان أقوى؟

ان الحدود بين المواطن والحكومة مثل الحدود بين البلدين. حيثما تتقدم الحكومة تتقلص حدود المواطن. لا يمكن زيادة سلطة الحكومة دون تقليص حرية المواطن، فهذا مستحيل.

هذا هو السبب في أن الحكومة تشكل دائما تهديدا للحرية. أن أخطر مشكلة في العصر الجديد هي أن جزءا كبيرا من الناس مفتونون بالحكومة الكبيرة التي هدفها يتجلى في تحقيق “الشمولية”. دولة عظمى تسيطر على كل شيء كالأخطبوط. بغض النظر عن نوع الحكومة التي يتم تشكيلها، فإن عشاق الحكومة سوف يوسعون سلطات تلك الحكومة ويدمرون الحرية. يميل الكثيرون لا شعوريا إلى استبدال الأب بالحكومة.

إنهم يتوقعون بان الحكومة توفر فرص العمل، وتصدر الأوامر والنواهي، وتشرف على كل شاردة وواردة، وتسيطر على الاقتصاد وتقسم المصادر العامة بعد بسط سيطرتها عليها، وتدون الكتب الدراسية وتدير وسائل الإعلام وتقدم التعريف للأخلاق العامة، وتشرف على الفن والأدب، وتمتلك ألف صلاحية وصلاحية. ان للحرية في هذا المجال تكاليف، لكن ما هي تكاليفها؟ كلما زادت الحريات الفردية فان التدخل الحكومي يقل معها، وعلى هذا فان المواطن لا يجد الدعم الحكومي له إلا ما قل وندر، إذ على الفرد إدارة حياته بنفسه، هذا شريطة ان تقدم الحكومات التداخلية خدماتها ودعمها وإسنادها، ولا يؤدي تدخلها إلى ظهور التوترات والتضخم والمشاكل، هنا تبرز قضية استيعاب المواطن للحرية وتعريفه لها.

عن خاکسار

شاهد أيضاً

موظفون في الاتحاد الأوروبي يحتجون على جرائم الاحتلال في غزة

نظم أكثر من 100 موظف في مؤسسات بالاتحاد الأوروبي في بروكسل احتجاجات ضد العدوان الصهيوني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *