أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / النظرة إلى عاشوراء في الفقه الشيعي

النظرة إلى عاشوراء في الفقه الشيعي

كتب الخبير والباحث في تاريخ التشيع، الدكتور رسول جعفريان مقالة حملت عنوان النظرة إلى عاشوراء في الفقه الشيعي تطرق في الجزء الرابع إلى ثورة الإمام الحسين عليه السلام من منظار خطاب النهي عن المنكر ومحاربة الظلم حول ثورة الإمام الحسين عليه السلام.

فيما يلي الجزء الرابع من المقال.

  1. خطاب النهي عن المنكر ومحاربة الظلم

لا يجب ان نشك في انه ومن خلال فترة قرن من الزمن بدأت مناقشة طبيعة ثورة كربلاء كونها حركة مناهضة للظلم في إطار خطاب، وبلغ ذروته في الثورة الإسلامية وخاصة بواسطة الإمام الخميني، بينما وقبل سنوات من انتصار الثورة، دخلت قضية محاربة النظام البهلوي كونه نظاما ظالما في الخطاب السياسي للمعارضة.

ويمكن القول ان أساسه قد ظهر في فترة الثورة الدستورية، حيث بدأت حركة العدالة والمطالبة بالعدالة في مواجهة ظلم الحكم القاجاري، ان بداية هذا النضال ادخل ثورة الإمام الحسين عليه السلام في هذه المناقشة، وذلك في الخطاب الجديد الذي دخل من الغرب وكان يشدد على التفاسير السياسية والاجتماعية للأحداث الماضية.

جدير بالذكر بان محاربة الظلم تختلف عن محاربة الاستبداد في تفسيرها الجديد. في الواقع، فإن قضية الظلم، تختلف عن الاستبداد الذي يعني نظاما سياسيا قد يكون الظلم إحدى تداعياته، حيث قد ينتهج الملك العدالة بالمعنى التقليدي. نحن نعلم أن بعض الملوك، وكلهم طغاة في التفسير الجديد كانوا عادلين وبعضهم كانوا ظالمين.

محاربة الظلم وحكام الجور

السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل لقضية محاربة الظلم خلفية تاريخية في الفقه الإسلامي أم لا؟ وهل هذا البحث هو الخروج على أئمة الجور كما طرح في القضايا الكلامية والفرق نفسه أم انه ظاهرة أخرى؟

ان هذه المحاربة قد تكون على شكلين لفظي وعملي. أما اللفظي فهو تلك النصوص الروائية وحتى القرآنية، لكن يبدو بان البعض يراها تندرج تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل عام، وليس البحث الفقهي للأمر بالمعروف بالمعنى المتداول، ذلك انه لا يجب ان يتضمن الإضرار بالنفس والمال.

على هذا يمكن ان يشكل بحثا مستقلا، أي النضال المسلح. وقضية الخروج على الولاة الجور لها مكانة مهمة في الخطاب السياسي لأهل السنة، لكن قلما طرح في فقهنا (الفقه الشيعي) ولم تؤمن به الشيعة ما عدى الزيدية، إنما يؤمن الشيعة بالتقية بدلا منه، عمومًا هناك رأيان طرحته الفرق الإسلامية:

ان أهل السنة كانوا يرفضون الكفاح المسلح ضد حكام الجور حتى الفترة الأخيرة رسميا وفقهيا، مع ان بعض الجهاديين السلفيين أجازوا هذا الأمر وكانوا يرون بأنه لازما وواجبا.

ان السنة من المعتزلة والمرجئة كانوا يؤمنون بالخروج على أئمة الجور.

ان الخوارج كانوا يؤمنون بالخروج.

ان الشيعة الإمامية-ما عدى الزيدية الذين كانوا يرون ان الخروج لازما-لم يقوموا بالثورة المسلحة بوجه الحكومة، في ساحة العمل؛ هذا ليس لأنهم لا يرونهم حكام الجور، بل بسبب إيمانهم بالعمل بالتقية.

في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد تحدث الفقهاء عن عدم الإضرار بالنفس والمال، واستندوا إلى روايات في هذا المجال.

تجدر الإشارة إلى ان فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الشيعة قد ركز في القرون الأخيرة على قضية الضرر، وقدمت أدلة كثيرة مفادها لو كان يحمل خطرا على النفس أو المال، فانه ليس واجبا، (جواهر الكلام، 21/371).

لكن في الفترة الأخيرة طرحت قضية مفادها انه في حالات يتعرض الشرع أو السنة أو قضية مهمة إلى خطر الزوال، وحتى في حال احتمال الضرر-وان كان تعريفه صعبا وهل انه ضرر في النفس أو المال- فيجب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (انظر: بررسی فقهی شرایط امر به معروف و نهی از منکر در قیام امام حسین (ع)، محمد رحمانی، في: نهضت عاشورا، جستارهای کلامی، سیاسی و فقهی، صص 351 ـ 381).

ويبدو انه لأول مرة (امر به معروف و نهی از منکر، مایکل کوک (مشهد1384)، ج2/836) أكد الإمام الخميني في تحرير الوسيلة (1/464، المسألة 6 و7) على هذا الأمر بأنه في قضايا يعدها الشارع مهمة مثل الحفاظ على أرواح جمع من المسلمين أو الحفاظ على العرض أو خطر امحاء آثار الإسلام، فان القيام بالأمر بالمعروف واجب ولو يحمل خطرا وضررا. وفي الفترة الأخيرة حاول بعض الكتاب فتح الأرضية الفقهية لهذه الفكرة الحديثة من خلال نقد الأدلة القديمة، (انظر على سبيل المثال: ارزیابی فقهی عاشورا، نورالدین شریعمتداری، في نهضت عاشورا، جستارهای کلامی و. صص 315 ـ 350).

كما أشرنا منذ عصر الدستورية ولاحقا دخل النضال بوجه الظالم في إطار المظاهرات السياسية والنضال السلبي مع الحكومة في الخطاب السياسي، ولم يناقش أحد هذا الأمر، كان قد استفاد مستشار الدولة في رسالة “يك كلمة” من قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لبعض الحالات المستجدة، (أمر به معروف، كوك ص 832).

هذا وطرحت في خضم الثورة الإسلامية قضية النضال المسلح لمواجهة الشاه، لكنه لم يطرح في إطار البحث الفقهي، وكان الأمر مختلفا في ساحة العمل، إذ كان البعض يرى بان لو اصدر مجتهد  رأيا في حالة خاصة مثل قتل ضابط السافاك، فانه جائز، وقد قام البعض بهذا العمل، من تلقاء نفسهم، المهم هو انه لم تكن هناك قضية فقهية واضحة في هذا الأمر.

تأكيد اﻹمام الخميني على ثورة عاشوراء

جدير الذكر بان الإمام الخميني لم يكن يقبل بهذا العمل كونه آلية لتحقيق النجاح في مواجهة الشاه، لكن محاربة الظلم عمومًا كانت محل تأكيد، واستفاد من ثورة الإمام الحسين عليه السلام لتحقيق هذا الهدف.

مع هذا فان الإمام الخميني كان دائم التأكيد على ثورة عاشوراء لمحاربة الظلم وحفظ الإسلام، بالرغم من قلة الأنصار والاعتماد على أصل الشهادة وأهميتها، وسلط الضوء عليها أكثر من أي فقيه آخر.

ان ظروف الإمام في السنوات التي سبقت الثورة ولقيادة الحراك الشعبي ضد النظام البهلوي كان يتطلب هذا الأمر، ان الإمام عد ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة لإضفاء الشرعية بل لضرورة ووجوب محاربة الظلم، كما كان يؤكد على ان العمل بما سواها لا يجوز:

لقد عَلّم سيد الشهداء (عليه السلام) الجميع ماذا ينبغي عليهـم عمله في مقابل الظلم والحكومـــات الجائرة. (17/58).

فقد عَلّم الجميع على مرّ التأريخ أنّ هذا هو الطريق الصائب، علمهم أن لا يخشوا قلة العدد. فالعدد ليس هو الأساس في تحقيق التقدم إلى الأمام، الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم ومقاومتهم؛ فهذا هو الموصل إلى الهدف. (المصدر نفسه)

لقد عَلّمنا إمام المسلمين أنه عندما يحكم المسلمين طاغوت جائر فعلى المسلمين وعلينا أن ننهض بوجهه، حتى لو كانت قوانا لا تتناسب مع القوى التي يملكها، علينا أن نقوم ونستنكر، عَلّمنا أن نضحّي ونسترخص دماءنا إذا رأينا كيان الإسلام عرضة للخطر. (الصحيفة: 3/225).

لقد عَلّمنا سيد الشهداء (عليه السلام) بنهضته ما ينبغي لنا عمله في ساحة الحرب وخلفها، وماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح، وما هي واجبات المبلغين خلف جبهات القتال وكيف يؤدون ذلك. علّمنا الإمام الحسين كيفية خوض الصراع بفئة قليلة وكيفية التصدي‏ للحكومة المستبدة التي تفرض هيمنتها على كل شيء. (الصحيفة: 17/60)

ان سيد الشهداء واصحابه واهل البيت علموا التكليف والتضحية في الساحة، والتبليغ خارج الساحة، علّمنا الإمام الحسين وأهل بيته بأن لا تخشى النساء والرجال مواجهة الطغاة وضرورة التصدي للحكومة المستبدة (الصحيفة: 17/ 59).

جدير الذكر بان قضية محاربة الظلم وأسلوبه، هي قضية فقهية ويجب تقييمها وطرحها في إطار جوانبها القانونية والفقهية، وإذا ما كانت في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيكون حينئذ حكم الفقهاء حول أهم جوانبها أي المغامرة في جانب التعرض للضرر المالي والإيداع في السجن والإعدام والقضايا ذات الصلة وما حكم الفقهاء. وهل يجوز أم لا يجوز بان تكون بإشراف مجتهد ما أم إلا، والقضايا الأخرى ذات الصلة.

الحدود الفاصلة بين اﻷمر بالمعروف ومحاربة الظلم

ونعود ثانية إلى هذا السؤال: ما هي الحدود الفاصلة بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الظلم وقضية الجهاد. وهل يعد النضال المسلح مع الحاكم الجائر جهادا أم انه يندرج ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم انه موضوع مستقل؟

وكما فات فان أهمية السؤال تكمن في ان الشرط الرئيس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عدم تضمنه الضرر وخاصة الضرر في النفس، على هذا لا يمكن إدراج الثورة المسلحة تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو كانت بهدف القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ذلك انه في مثل هذه الثورة فان طبيعة القضية هي جهادية وخاصة لو كان هناك احتمال قتل أي شخص، لا يمكن ان تكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إطلاقا.

يقول الشهيد الأول في تحليل مهم لبعض أهل السنة:

لو أدى الإنكار إلى قتل المنكر، حرم ارتكابه لما سلف. و جوّزه كثير من العامة، لقوله تعالى وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ مدحهم بأنهم قتلوا بسبب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و هذا مسلم إذا كان على وجه الجهاد. قالوا: قتل يحيى بن زكريا علیهما السلام لنهيه عن تزويج الربيبة قلنا: وظيفة الأنبياء غير وظائفنا. قالوا: قال رسول اللّه صل اللّه عليه و آله: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، و في هذا تعريض لنفسه بالقتل، و لم يفرق بين الكلمات أ هي نصّ في الأصول أو الفروع، من الكبائر أو الصغائر؟ قلنا: محمول على الإمام، أو نائبه، أو بإذنه، أو على من لا يظن القتل. قالوا: خرج مع ابن الأشعث جمع عظيم من التابعين في قتال الحجاج، لإزالة ظلمه و ظلم الخليفة عبد الملك، و لم ينكر ذلك عليهم أحد من العلماء. قلنا: لم يكونوا كل الأمة. و لا علمنا أنهم ظنوا القتل، بل جوّزوا التأثير و رفع المنكر. أو جاز أن يكون خروجهم بإذن إمام واجب الطاعة، كخروج زيد بن علي عليه السلام و غيره من بني على عليه السلام. (القواعد و الفوائد، ج‌2، ص: 207‌).

يقول الشهيد الأول: قال بعض أهل السنة بأنه قد يؤدي الإنكار قد يؤدي إلى القتل ولا إشكال في هذا، ذلك انه ورد في القرآن وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، ان الرد الذي يقدمه الشهيد على الاستدلال الأول لمؤيدي المخاطرة في العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استنادا إلى آية وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ هو ان “وهذا مسلم إذا كان على وجه الجهاد”. على هذا لو كان من المقرر بان يقتل شخص ما عند القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا يصبح جهادا وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكما نرى بان الشهيد أورد قضايا أخرى في هذا المجال قلما وردت في فقهنا، هذا ولم يشر إلى الإمام الحسين عليه السلام ولهذا لم نتطرق إليها.

للحديث تتمة

بقلم الدكتور رسول جعفريان

عن خاکسار

شاهد أيضاً

المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالمسيرات مصفى حيفا النفطي

أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق استهداف مصفى حيفا النفطي في الأراضي المحتلــــة صبــــــاح اليوم الخميس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *