أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / أمريكا وهندسة الحكومة الشاملة في أفغانستان

أمريكا وهندسة الحكومة الشاملة في أفغانستان

زادت الاجتماعات بين طالبان ومسئولين أمريكيين في باكستان ودول الخليج بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. وقد أدت النتائج الأولية لهذه الجهود إلى تقديم دعم مالي نقدي أمريكي لحكومة طالبان، والذي يتضمن حزمة مساعدات بقيمة أربعين مليون دولار في الأسبوع. فضلا عن هذا خصصت الحكومة الأمريكية مؤخرا حزمة مساعدات نقدية أخرى بقيمة عشرة ملايين دولار تحت عنوان “دعم طالبان في محاربة داعش”.

تظهر الأدلة أنه في أعقاب لقاءات مسئولي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بمسئولي المخابرات الأفغانية في باكستان وقطر، أصبحت الجهود السياسية والعلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وطالبان مستمرة بشكل علني وعلى نطاق واسع.

ان اللقاء الأخير بين الممثل الأمريكي الخاص بشأن أفغانستان توم وست، مع وفد طالبان برئاسة الملا يعقوب في قطر، وبعد ذلك، لقاء وست مع عدد من المعارضين السياسيين لحركة طالبان خارج أفغانستان، وكذلك لقاءه بعبد الله عبد الله وقادة سياسيون محافظون آخرون داخل أفغانستان، يعزز التكهنات بأن الولايات المتحدة ربما تحاول تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان.

يبدو أن قسم من قادة طالبان يعتبرون أن عمل حكومة طالبان المؤقتة غير فعالة من أجل الحصول على الشرعية السياسية والاعتراف الدولي الرسمي والخروج من القائمة السوداء للأمم المتحدة، وهم يحاولون التغلب على هذا المأزق السياسي. من وجهة النظر هذه، فإن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق السياسي هو تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، والتي تؤكد عليها جميع الجهات الفاعلة المعنية بقضايا أفغانستان.

تدل التحليلات أن الحكومة الأمريكية تحاول هندسة تشكيل الحكومة الشاملة التي تمت مناقشتها في أفغانستان. فيما يلي، نتطرق إلى جوانب من طبيعة الحكومة الشاملة من وجهة نظر أمريكا.

  1. هدف أمريكا من تشكيل الحكومة الشاملة في أفغانستان

بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان، كانت الانطباعات الأولية تفيد بأن جماعة طالبان ودول المنطقة ستبحث عن سبل لضمان أمن واستقرار أفغانستان على شكل “النظام الإقليمي”. ومباشرة بعد صعود طالبان في كابول، بدأت دول المنطقة مساعيها الدبلوماسية مع حكومة طالبان في إطار “النظام الإقليمي”. حتى الآن، تحاول بعض دول المنطقة، بمحورية روسيا، استكمال عملية السلام التي بدأت في قطر عمليا من خلال إرساء الأساس لمفاوضات سياسية بين طالبان والمعارضين السياسيين، بما في ذلك جبهة المقاومة والمجلس الأعلى للمقاومة الوطنية لإنقاذ أفغانستان.

بعد الحرب في أوكرانيا والمواجهة بين الغرب وروسيا في أوروبا الشرقية، بدأت الإدارة الأمريكية بالفعل جهودها في أفغانستان بعد تبني هذه المقاربة لإضعاف دور روسيا والصين وإيران في تشكيل المستقبل السياسي لأفغانستان وإدارة التطورات هناك. إذ يبدو أن الإدارة الأمريكية قد توصلت إلى استنتاج مفاده أنها حققت انتصارا نسبيا في المنافسة الدبلوماسية مع دول المنطقة في أفغانستان. ومن المتوقع أنه في حال زيادة الهجمات الإرهابية على البعثات الدبلوماسية، سينخفض ​​الوجود الدبلوماسي والمستثمرون من دول المنطقة، بما في ذلك الصين، في أفغانستان.

إذا رسمنا الرسم البياني لهذه التطورات المعقدة في أفغانستان، فإن النتيجة ستؤدي إلى اتجاه تصاعدي في دور وتواجد الولايات المتحدة في التطورات في أفغانستان وتراجع دور الدول المنافسة للولايات المتحدة.

ومن هذا المنطلق، يتم تعزيز التصور القائل بأن الجهد الأمريكي لتشكيل الحكومة الشاملة في أفغانستان يهدف أساسا إلى أخذ زمام المبادرة السياسية من دول المنطقة والمنافسة للغرب في أفغانستان. تظهر دراسة تاريخ العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وأفغانستان أن الولايات المتحدة استخدمت أفغانستان دائما كميدان قتال وساحة لتحقيق أهداف أمنية إقليمية. ولهذا السبب بالتحديد، لم يؤد وجود أمريكا أبدا إلى تنمية أفغانستان.

  1. مستوى تفاعل الحكومة الشاملة مع الحكومات الغربية

ما أبقى السياسة الخارجية لحكومة طالبان غامضة في المنطقة وعلى المستوى الدولي هو أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت طالبان تحاول الحفاظ على حياد أفغانستان في المنافسة بين الولايات المتحدة والمنطقة، أو من الممكن أن تتماشى مع الولايات المتحدة بشأن التعاون الإقليمي في المستقبل. إذ تظهر دراسات السياسة الدولية أن البلدان التي لا تملك القدرة والاكتفاء الذاتي المالي لا يمكنها تبني سياسة الحياد بالمعنى الحرفي.

بهذه النظر، فإن حكومة طالبان، وعلى الرغم من الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع دول المنطقة، ولكن بسبب الحاجة المالية، فقد بدأت بالقيام بمزيد من عمليات بناء العلاقات الأمنية والسياسية مع الغرب والولايات المتحدة. هذا المستوى من التفاعل بين طالبان والولايات المتحدة دفع بالإدارة الأمريكية إلى محاولة تنفيذ هندسة الحكومة الشاملة المنشودة في أفغانستان.

إذا نجحت الولايات المتحدة في تنفيذ خريطة الطريق هذه، فمن الواضح أن تفاعلات ودعم الحكومة الشاملة المحتملة ستكون أكثر مما هي عليه الآن. من ناحية أخرى، فإن هذه الحكومة الشاملة المحتملة ستزيد من تفاعلها مع الغرب أكثر من حكومة طالبان الحالية.

ومع ذلك، هناك سؤال جوهري آخر وهو ما إذا كان بعد تطبيق خريطة الطريق سيسود الأمن والاستقرار الدائمين في أفغانستان أم لا؟ أن تشكيل الحكومة الشاملة وفق خارطة الطريق الأمريكية في أفغانستان لا يعني نهاية الصراع السياسي في أفغانستان. وذلك لأن مراجعة السياسة الخارجية الأمريكية بعد عام 2001 تظهر أن الولايات المتحدة تبنت سياسة “اللعبة المزدوجة” في أفغانستان والشرق الأوسط والعراق وأوروبا الشرقية. وان الإدارة الأمريكية تجاهلت عمدا طالبان في اتفاقيات بن (2001) ومنذ ذلك الحين، بناء على إستراتيجية طويلة المدى، لم تدمر قواعد طالبان تماما واستخدمت الجماعة لاحقا كورقة سياسية. من وجهة النظر هذه، حتى بافتراض إنشاء الحكومة الشاملة في أفغانستان، ستحافظ حكومة الولايات المتحدة على داعش أو الجماعات الأخرى ذات الإمكانات المحلية وتقوم بتقويتها كمنافس محتمل وبديل لحكومة طالبان.

  1. هيكلة طالبان في الحكومة الشاملة المحتملة

إنها لحقيقة بأن الحكومة الوحيدة في أفغانستان حاليا هي حكومة طالبان. في البداية، حاول الخصوم السياسيون لطالبان الحفاظ على نموذج السبعينيات كمصدر دولي للشرعية، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. في ذلك الوقت، على الرغم من أن كل أفغانستان تقريبا كانت في أيدي طالبان واعترفت العديد من البلدان بطالبان، كان برهان الدين رباني لا يزال قادرا على الاحتفاظ بملكية الحكومة الرسمية لأفغانستان. لكن اليوم أصبحت شروط المساومة السياسية للمعارضين السياسيين لطالبان محدودة. لو افترضنا تشكيل ائتلاف أو حكومة شاملة، فعلى المعارضين السياسيين لطالبان التكيف مع حكومة كابول.

ومع ذلك، فإن حكومة طالبان لا تريد أبدا أن يكون للحكومة المستقبلية في أفغانستان نظام بسيط من طبقة واحدة. وبهذه النظرة والحذر السياسي لطالبان، قامت قيادة طالبان، وفضلا عن كابول، العاصمة الدبلوماسية لأفغانستان، بتحويل إقليم قندهار إلى العاصمة السياسية والعمق الاستراتيجي لطالبان.

عن خاکسار

شاهد أيضاً

المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالمسيرات مصفى حيفا النفطي

أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق استهداف مصفى حيفا النفطي في الأراضي المحتلــــة صبــــــاح اليوم الخميس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *