أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / بوتين وروسيا والنظام الدولي

بوتين وروسيا والنظام الدولي

قدم فلاديمير بوتين، في 28 أكتوبر من العام الراهن، وفي نهاية الاجتماع السنوي التاسع عشر لمنتدى فالداي الدولي للحوار، في موسكو، مقارباته للوضع الدولي، حيث ناقش المشاركين في الاجتماع أفكاره. حضر هذا المنتدى 111 مشاركا من أكثر من 40 دولة. وقد تمحور حول عالم بعد الهيمنة. يعد هذا المؤتمر، الذي جاء نتيجة تحول منتدى فالداي منذ إنشائه عام 2004، أهم قمة روسية فيما يتعلق بالقضايا الدولية، ان خطاب بوتين يعكس بلا شك المقاربات الفكرية والمفاهيمية الرئيسية لسياسة روسيا الخارجية. ذلك ان السياسة الخارجية ظاهرة فكرية في جميع الدول إلى جانب أبعادها السياسية والتنفيذية والقانونية.

تبرز في الظاهرة الفكرية للسياسة الخارجية، طريقة النظر إلى العلاقات والنظام الدولي. أثار خطاب بوتين ومناقشات المفكرين الروس وغير الروس في هذا المنتدى ضجة كبيرة في أنحاء مختلفة من العالم. أثارت المناقشات المتعلقة بهذه القمة سؤالا رئيسا: كيف يمكن تحليل العلاقة بين بوتين وروسيا والنظام الدولي؟ للرد على هذا السؤال، ينبغي أولا التركيز على عبارات بوتين الرئيسة حول العلاقات الدولية؛ ثم التركيز على ردود فعل الغرب تجاه بوتين وروسيا، وأخيرا التركيز على ظاهرة التعددية القطبية في النظام الدولي.

في خطابه الطويل، ركز بوتين بشكل أساسي على قضيتين: الأولى هي تفكيك مقاربات الغرب الدولية. لقد قدم الغرب على أنه يفتقر إلى الوحدة، بل كان لديه نظرة مزدوجة إلى “الغرب التقليدي المستوحى من القيم المسيحية وحتى الإسلامية” و “الغرب العدواني والغازي والاستعماري”. ركز بوتين على التعريف الثاني للغرب وقدم هذا الغرب على أنه ينوي فرض الهيمنة في النظام الدولي. في رأيه، يبحث الغرب عن فرض التماثل والتشابه وكذلك فرض قيمه على العالم. وفي هذا الصدد، إن ما طرحه هو والأشخاص الآخرون المهتمون بالقضايا التنفيذية وكذلك المفكرون في العلاقات الدولية الروسية هو أن الغرب يتحدث عن “العلاقات الدولية المؤسسة على القاعدة” لكنه يريد كتابة هذه القاعدة بنفسه، ومن الملفت بأنه يتجاهل القانون الدولي الذي كان قد كتبه وصاغه طيلة القرون القليلة الماضية بنفسه. لأن القانون الدولي الحالي يرى ان المبدأ هو المساواة في السيادة الوطنية للدول، فإن العبارة الجديدة “العلاقات الدولية المؤسسة على القاعدة” التي أثارها بوتين وانتقدها عدة مرات تتعارض إلى حد ما مع القانون الدولي.

أما القضية الثانية التي أكد عليها بوتين هي قبول التعدد في العلاقات الدولية، وفي الحياة الاجتماعية وعلى مستوى أعلى، في الحضارات الإنسانية. وكان تكرار كلمة “حضارة” بارزا في خطابه. حسب قوله، هناك حضارة واحدة فقط وكل الحضارات لديها ما تقوله. تجدر الإشارة إلى أنه لأكثر من عقد من الزمان، لم يعرّف الروس أنفسهم على أنهم فاعلين استراتيجيين على المستوى العالمي فحسب، بل يذهبون إلى ان روسيا “لاعب في الحضارات العالمية”. وفي الوقت نفسه، أشاد بوتين بالحضارة الغربية، وقال إن روسيا ليست معادية للغرب، كما تناول بعض الأفعال وردود الفعل الثقافية داخل الغرب، وذكّر بالفجوات الموجودة في القضايا الثقافية في الغرب. لكن خطابه قوبل بردود فعل في الغرب، والتي بدورها تعد انعكاسا لحالة العلاقات الدولية المعقدة التي تمر بمرحلة التكوين. خاصة إذا نظرنا إلى مركزية مناقشة أوكرانيا في علاقات الغرب وروسيا في شكل تطورات جديدة.

ذهب العديد من المحللين الغربيين إلى أن خطاب بوتين يهدف إلى تقديم الدعم لليمين في أوروبا وأمريكا. وهذا يعني أن هذه الجماعات لها موقف نقدي تجاه أفكار وخطاب وسلوك الليبراليين المتطرفين في الغرب، وخاصة في مجال القضايا الجنسية. فإلى جانب مناقشة الاتجاهات الليبرالية المتطرفة في الغرب، أدى الوضع في أوكرانيا والصراعات بين موسكو وواشنطن في هذا المجال إلى ظهور وجهات نظر جديدة نسبيا في أمريكا وأوروبا مؤخرا. على سبيل المثال، تبرز رسالة عدد الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي، المعروفين باسم الديمقراطيين التقدميين، إلى بايدن إذ صرحوا بأنه لا ينبغي الاعتماد فقط على الجوانب العسكرية في قضية أوكرانيا، بل يجب متابعة المبادرات الدبلوماسية. أو في الحزب الجمهوري المعارض لبايدن، فهناك موقف مختلف تجاه الحرب في أوكرانيا بشكل خاص والعلاقات مع روسيا بشكل عام.

من بين هذه المناقشات، بالطبع، أثيرت مناقشة الحرب النووية المروعة المعروفة باسم هرمجدون وتأجيج الجو النفسي وخلق مخاوف بشأن تصادم نووي في حرب أوكرانيا. كل هذه التفاصيل أدت إلى ردود فعل على خطاب بوتين. لكن يجب ألا يغيب عن الأذهان أن مفهوم الأقطاب والتعددية القطبية هما موضوعان يستحقان المناقشة.

الحقيقة هي أن جهود أمريكا للحفاظ على موقعها المتفوق في النظام الدولي في العقود الثلاثة منذ نهاية الحرب الباردة لا تزال مثيرة للجدل. كما لا تزال فكرة القطبية الأحادية تجد أنصارا لها بين العاملين في مجال السياسة الخارجية. هذا وتثير فكرة القطبين أي أمريكا والصين أو أمريكا وروسيا اهتمام آخرين، لكن الفكرة والمفهوم الكامل للقطب في العلاقات الدولية قد تغير والقطب القديم والجديد يشكلان النظام الدولي في ديناميكية معينة. تعتبر روسيا نفسها أحد الأقطاب. وتستبعد إمكانية إعادة بناء النظام ثنائي القطب. وترى بان نفعها يتجلى في الاعتراف بها كأحد الأقطاب في النظام متعدد الأقطاب. يوضح هذا الطرح العلاقة بين خطاب بوتين في فالداي وخطاب روسيا وسلوكها الدولي.

عن خاکسار

شاهد أيضاً

المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالمسيرات مصفى حيفا النفطي

أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق استهداف مصفى حيفا النفطي في الأراضي المحتلــــة صبــــــاح اليوم الخميس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *