أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / التغيرات المناخية في الوطن العربي الماضي والحاضر والمستقبل

التغيرات المناخية في الوطن العربي الماضي والحاضر والمستقبل

إن الأزمات التي يواجهها العالم كثيرة وشديدة، فالمجتمعات مهددة باستمرار المخاطر الطبيعية ومخاطر الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومخاطر الحروب والتهديد بالحرب النووية، وكلها خطيرة على مستقبل الحياة على الأرض، وربما يكون تأثيرها على المجتمعات أكبر من تأثير التغير المناخي، فلابد من اتباع الأساليب الحضارية السلمية للحفاظ على استمرار الحياة.

ولقد نشأت كثير من الحضارات البشرية القديمة في الوطن العربي، وابتكرت تلك المجتمعات أساليب وأدوات طورت الحياة البشرية وساهمت في نقلهم من حياة التنقل البدائية إلى حياة المدن والحضارات العظيمة التي أسست النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويُعد الوطن العربي من أكثر أقاليم العالم حساسية للتغيرات المناخية المتوقعة في المستقبل .

ويتكون الوطن العربي من 22 دولة ويملك مساحة كبيرة من الأرض وتتنوع فيه الأقاليم المناخية، لذلك لن تتشابه تأثيرات التغير المناخي المحلي في الوطن العربي، فاختلاف الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هي العامل المؤثر في  تباين قدرات الدول العربية على مواجهة عواقب التغير المناخي .

بالنسبة للكتاب فهو مقسم إلى ثمانية فصول: الثلاثة فصول الأولى، يتحدث فيهم الكاتب عن المناخ، حيث يتعامل الإنسان مع المناخ والطقس منذ بدء الحياة البشرية على سطــــــح الأرض وهيَّأ الخالق البيئة المناسبة التي تلبي حاجات الإنسان الضرورية وتسمح بتطوره، وبالتدريج استطاع الإنسان التكيف مع بيئات مختلفة وهو يعمل باستمرار لتعمير الأرض، ويُعتقد أن الإنسان قد نشأ في شرق إفريقيا ثم هاجر إلى شبه الجزيرة العربية عبر شبه جزيرة سيناء أو مضيق باب المندب، الذي كان فيه ممر لم تغمره المياه في ذلك الوقت، ومن آسيا انتقل البشر إلى أمريكا وأستراليا، وحدثت تلك التحركات البشرية بين القارات عبر الممرات التي فتحت خلال العصور الجليدية لانخفاض مستوى البحر، وبهذا الانتشار في جميع القارات أظهر الإنسان قدرته في التعامل والتكيف مع البيئات المناخية المختلفة .

وتختلف شدة الظواهر الحديثة من إقليم إلى إقليم، فلكل إقليم مناخ خاص يتميز به عن غيره من الأماكن، فالمناخ يتميز بالخصائص الجوية العامة التي يتميز بها الإقليم، فيقال: مناخ جاف أو مناخ رطب .

ويهتم المناخ أيضًا بدراسة ما يحدث في الغلاف الجوي وهو أحد الأنظمة التي تشمل أيضًا (النظام المائي، والنظام الصخري، والنظام الحيوي، والنظام الجليدي، والنظام الجوي).

ورغم الأبحاث العلمية الكثيرة التي تحسِّن فهمنا لمسيرة مناخ الأرض، إلا أننا مازلنا بعيدين من فهمها بدقة، وما زال فهم المناخ القديم والتنبؤ بالمستقبل غير متحقق بدقة، وثبت أن التشابهات المناخية في التاريخ الماضي لم تحدث لأسباب متشابهة، لذلك يُعتقد أن مناخ الماضي قد لا يتكرر في المستقبل لنفس الأسباب والمتغيرات، ويشير البعض إلى أن الخوف في الوقت الحاضر من تسخين الأرض ونتائجه المدمرة من ذوبان الجليد وفيضان المناطق الساحلية وتصحُّر الأرض الزراعية فغيرها لا تساعد عامة الناس على فهم الطبيعة المعقدة والحقيقية التي تشكل المناخ، فما هي أسباب حدوث التغيرات المناخية ؟

ويعتقد الكاتب أن شبه الجزيرة العربية كانت جزءًا من القارة الإفريقية، ومع تكون حفرة الانهدام ( الممتد من منابع النيل إلى جنوب شرق أوروبا مارة ببلاد الشام )، حدثت عمليات رفع بطيئة أدت إلى انفصال شبه الجزيرة العربية من ناحية باب المندب ودخول مياه المحيط الهندي إلى البحر الأحمر، وتبع ذلك ابتعاد شبه الجزيرة العربية باتجاه الشمال الشرقي واصطدمت بآسيا حواليّ 5 مليون سنة، وتكون من الاصطدام (جبال زاجاروس وجبال عمان) ، مع حدوث هبوط الجزء الشرقي كون الخليج العربي .

ثم يضيف الكاتب أن المناخ نظام معقد يتكون من عناصر كثيرة تتغير وتؤثر فيه بطرق مباشرة وغير مباشرة، وبينها تفاعلات بسيطة ومعقدة لم تفهم تمامًا حتى الآن فالنظام الأرضي مفتوح، وتتفاعل عناصر الأنظمة الأرضية ( الجوي والصخري والحيوي والمائي والجليدي ) بطريقة تحافظ على توازن الأرض وتجعل الحياة ممكنة .

وتزايد حديثًا البحث العلمي بهدف إبراز التغيرات المناخية والبيئية التي ساهمت في انهيار الحضارات السابقة، ومن الواضح وخاصة في عامة الناس أن انهيار الحضارات كانت لأسباب عسكرية وهجمات حربية انتصر فيها الأقوياء، فكانت القوة هي السبب المباشر لسيطرة حضارة على حضارة أخرى، ولكن أسباب الضعف والانهيار في الحضارات المهزومة كثيرة، وقد يكون المناخ هو العامل المهم في إضعاف الأمم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية ثم القدرات العسكرية، لذلك يُعد المناخ موردًا اقتصاديًّا هامًا له دور مهم في المحافظة على القوة العسكرية ويحقق الرخاء للمجتمع وإذا سِيء استثماره يضعف الدولة ويسرع إلى خرابها .

وبالنسبة للفصول من الرابع إلى السابع: يتحدث فيهم الكاتب بداية عن المناخ في الوطن العربي، حيث اهتمت الدراسات في تغيير معدلات درجات الحرارة وكميات الأمطار في كثير من محطات الأرصاد الجوية في الدول العربية وتباينت نتائج الدراسات الحديثة في وصف تغير المناخ ونسب زيادة معدلات درجة الحرارة الشهرية والفصلية والسنوية وتغيُّر كميات الأمطار، وقد حدثت الاختلافات المكانية لاختلاف الخصائص الجغرافية للمحطات المدروسة من حيث أهمية التضاريس والغطاء النباتي القريب من البحار… وغيرها من العوامل المحلية التي لها تأثير في العناصر المناخية .

وأشارت كثير من الدراسات إلى تزايد معدلات درجة الحرارة في معظم المحطات وأن معظم التزايد حدث بعد عام 1980 في محطات منطقة الخليج العربي باستثناء مسقط التي تناقضت فيها درجات الحرارة بحوالي 014, م/سنة.

أما مستقبل المناخ في الوطن العربي فإن الدراسات في هذا الموضوع كثيرة وتختلف نتائجها حول شرود واتجاه تغير المناخ وعواقبها على الدول العربية، وقد يكون الاختلاف ناتج عن تباين الخصائص الطبيعية والمناخية من مكان لآخر، لذلك فإن تغير المناخ قد لا يكون متشابهًا وتختلف مواقعه من دولة لأخرى .

هذا وتقع معظم مساحة الوطن العربي ضمن المناخ الصحراوي وشبه الصحراوي، وهي مناطق تعاني من شدة الحر والتطرفات المناخية الناتجة عن تذبذب المناخ من سنة لأخرى .

وتُشير كثير من الدراسات المناخية وتقارير الهيئات المهتمة بالمناخ إلى أن الدول العربية هي الأكثر تعرضًا للتأثيرات السلبية المتوقعة من تغير المناخ، وأن التأثيرات لن تكون متشابهة في أقاليم الوطن العربي لتنوع المناخ فيها واختلاف الخصائص الطبيعية والبشرية المؤثرة في المناخ .

أما عن ارتفاع مستوى البحار، فسيؤدي تسخين الأرض المتوقع إلى ذوبان الجليد القاريّ في العروض العُليا سببًا في ارتفاع مستوى البحار، ولقد تغير مستوى البحار كثيرًا عبر الزمن الماضي، وكان مرتبطًا بتغير درجات الحرارة، وتُشير الدراسات إلى أن مستوى البحار قد ارتفع حتى الوقت الحاضر بحوالي 20 سم ويُتوقع استمرار ارتفاعه حتى يصل إلى 2 متر مع نهاية القرن الحالي، وسينتج عن ذلك غرق المناطق الساحلية المنخفضة مما يؤثر على حياة سكانها وبيئتها الطبيعية .

وتمتد سواحل الوطن العربي حوالي 1800 كيلو متر على المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي والبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي، ويتركز فيها معظم سكان الوطن العربي، وأن أكثر من 90% من سكان بعض الدول العربية مثل (الكويت، والبحرين، والإمارات العربية، وفلسطين، ولبنان، وجيبوتي، والمغرب ) يعيشون على السواحل وبارتفاع مستوى البحر 1 متر سيُفقِد الوطن العربي حوالي 42 ألف كم مربع من الأراضي الساحلية، ويؤثر ذلك على حوالي 40 مليون من السكان، ويُعتقد أن الأكثر تضررًا ستكون سواحل شمال إفريقيا والخليج العربي؛ حيث سيغرق حوالي 15% من دلتا نهر النيل وهي أراضٍ زراعية خصبة يعتمد عليها حوالي 6 مليون مصري .

وهنا نلخص  أهم عواقب ارتفاع مستوى البحر وهي :-

القضاء على الكثير من الاستثمارات الاقتصادية المقامة على المناطق الساحلية المنخفضــــــة؛ حيث تُعتبر المناطق الجاذبة للصناعة وخاصة في مجال السياحة، بالإضافة إلى غرق مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية سيقلل من إنتاج الغذاء ومن ثُم الأمن الغذائي في دول الوطن العربي.

تسريب مياه البحر المالحة إلى خزانات المياه الجوفية القريبة من المناطق الساحلية وهي منتشرة في كثيرٍ من المناطق العربية خاصة تلك الواقعة على سواحل البحر المتوسط والخليج العربي، سيؤثر ذلك على مصادر المياه العذبة في المدن الساحلية مثل (غزة والبصرة والإسكندرية ومدن الخليج العربي) .

هجرة السكان المتضررين من غرق المناطق الساحلية بحثًا عن فرص عمل أخرى ، وسيزيد ذلك من حالات الفقر والبطالة والضغط على الاقتصاد الوطني.

ولمواجهة ارتفاع مستوى البحار يحتاج لتكاليف كبيرة لا تقدر عليها الدول العربية الفقيرة، ولكن يمكن مواجهة تلك المشكلات ببناء حواجز واقية تحمي المناطق الساحلية المنخفضة من فيضان مياه البحار مما يحافظ على الاستثمارات الاقتصادية ويمنع هجرة السكان بالإضافة إلى ضرورة أخذ تغيُّر مستوى البحار بالاعتبار في خطط المستقبل التنموية وعند إنشاء المشاريع الاقتصادية على المناطق الساحلية والمناطق المنخفضة .

أما عن الموارد المائية التي تعتمد الدول العربية على مصادر المياه السطحية والجوفية لسد حاجاتها من المياه الزراعية والصناعة والاستخدامات المنزلية، وتستخدم معظم المياه حوالي 75% لدى المزروعات، وتُقاس القدرة المائية في الدول بمقدار حصة الفرد من المياه وبالمقارنة مع المتوسط العالمي المقدر بحوالي 7000 متر مكعب في السنة، وتنخفض حصة الفرد العربي من المعدل العالمي في جميع الدول العربية وهي حوالي 5000 متر مكعب في العراق، وتنخفض حصة الفرد بحوالي 40% في منتصف القرن الحالي وسيكون الوطن العربي تحت خط الفقر المائي 1000 متر مكعب مع تناقص الأمطار وتزايد النزاعات حول المياه الدولية ، ورغم انخفاض حصة الفرد العربي من المياه العذبة إلا أن بعض الدول العربية تحظى بأكبر كمية استهلاك للفرد من المياه كما هو في دول الخليج العربي وذلك بفضل القدرة على تحلية كمية كبيرة من مياه البحر.

وتُعد كثيرٌ من الدول من أفقر دول العالم في مصادرها المائية مثل (الأردن وفلسطين واليمن… وغيرها)، وتقسم الدول حسب مصادر المياه إلى قسمين همـــــا :-

الدول التي تعتمد على مياه الأنهار الكبيرة التي تنبع من خارج حدودها مثل السودان ومصر (نهر النيل) وسوريا والعراق(نهري دجلة والفرات)، وبعض الأنهار الصغيرة كـ (نهرالأردن والعاصي والليطاني… وغيرها) ، وتشكل مصادر المياه النهرية حوالي 80% من المياه العذبة في الوطن العربي، لذلك فإن دول الأنهار الكبيرة تحظى بأعلى حصة مياه للفرد مثل العراق ومصر .

الدول التي تعتمد على مياه الأمطار والمياه الجوفية- وتنتمي معظم الدول العربية لهذا القسم- وهي فقيرة من حيث حصة الفرد من المياه العذبة وستواجه تراجع في حصة الفرد وستواجه مشكلة كبيرة تتمثل في عدم القدرة على توفير المياه لسكانها، ومع تغير المناخ وتناقص الأمطار التي بدأت ملامحها تظهر ستكون الدول العربية الأولى في نفاذ المياه في المستقبل .

ومن الصعب حصر سبب أزمة المياه بتغير المناخ، ويوجد عوامل كثيرة تؤثر على مصادر المياه من حيث الكمية والنوعية، فالأزمة موجودة قبل حدوث التغيرالمناخي .

وستتفاقم مشكلة المياه خلال القرن الحالي مع نظرية تسخين الأرض وما ينتج عنها من نقص في كمية الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتبخر، وخاصة مع تزايد حاجة السكان للمياه وتزايد الحاجة لري المزروعات، وسيكون تأثير التغير المناخي مهمًّا على مصادر المياه في الوطن العربي، وربما ستكون سببًا في نشوء الاضطرابات، ويتوقع بعض الكتاب تزايد الصراعات الدولية على مصادر المياه في المستقبل، وأن إيجاد الحلول لأزمة المياه من الأمور المهمة للحفاظ على الاستقرار وسد حاجة السكان للمياه وتزايد الحاجة لدى المزروعات، وسيكون تأثير التغير المناخي مهمًّا على مصادر المياه في الوطن العربي، وربما ستكون سببًا في نشوء الاضطرابات، ويتوقع بعض الكتاب تزايد الصراعات الدولية على مصادر المياه في المستقبل .

وتُعد الإدارة الفعالة لإدارة موارد المياه في كل الدول العربية هي العامل الحاسم لتخفيف مشكلة المياه، بالإضافة إلى التعاون بين الدول المشتركة في المياه .

أما الفصل الثامن من الكتاب فيناقش الاتفاقيات المناخية، وهنا يتساءل الكاتب لماذا تعتبر الدول العربية الغنية اتفاقيات المناخ ابتزازًا ماليًّا بينما تعتبره الدول المتقدمة فرصة لإقامة مشاريع مربحة ؟

فبالنسبة للدول العربية الفقيرة فقد أيدت جميع الاتفاقيات؛ لأنها توفر لها مساعدات واستثمارات في مجالات التنمية المستدامة مما يحسن اقتصادياتها وتسهم في تنظيف الغلاف الجوي من الغازات الدفينة، أما الدول العربية الغنية خاصة النفطية، فترى أن اتفاقيات المناخ ما هي إلا مؤامرة تستهدف الثروات العربية عند إلزامها بالمساهمة الفعالة في مساعدة الدول النامية وتمويل المشاريع الخضراء للمحافظة على مناخ الأرض، وأن الدول المتقدمة ستجني أضعاف ما تدفع من خلال إقامة مشاريع مربحة في الدول الناميـــــة .

فالدول المتقدمة تمتلك التقنيات والتكنولوجيا ويجعلها قادرة على الاستثمار في مجال التغير المناخي، وهذا لا يتوفر عند الدول العربية، وعلى الدول العربية النفطية أن تقتدي بالدول المتقدمة في تشغيل أموالها بالاستثمار والمساهمة في مشاريع مربحة نصَّت عليها اتفاقيات المناخ- كما تفعل الدول المتقدمة- حيث غدت مشاريع الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة مرغوبة، واستفادت الصين مثلًا من هذه الاتفاقيات نتيجة ارتفاع استثماراتها في مشاريع الطاقة المتجددة بحوالي 60% وبحوالي 32 مليار دولار، وتخطط لاستثمار مئات المليارات في المستقبل وبنفس الوقت فهي ملتزمة باتفاقية المناخ بالحد من استخدام الوقود .

وعلى كلٍ فإن أي دولة غنية أو فقيرة تبحث عن مصالحها الاقتصادية وتنميتها من خلال اتفاقيات المناخ، ويُروَّج إعلاميًّا وبشكلٍ واسع عن أهمية موضوع تغير المناخ الذي سببه الإنسان، ولن تقدم معظم الدول أية تنازلات لمواجهة مشكلات تغير المناخ المحتمل، وحتى تتنازل بعض الدول عن بعض مصالحها سيبقى العالم يعقد المؤتمرات ويتفق على إجراءات تنفذها القليل من الدول، وستتزايد انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي كما حدث في العقود الأخيرة .

عن خاکسار

شاهد أيضاً

المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالمسيرات مصفى حيفا النفطي

أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق استهداف مصفى حيفا النفطي في الأراضي المحتلــــة صبــــــاح اليوم الخميس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *