أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار / التعاون الأمني بين أمريكا وطالبان.. الجوانب والتداعيات

التعاون الأمني بين أمريكا وطالبان.. الجوانب والتداعيات

تقبلت الولايات المتحدة الأمريكية مرغمة الهزيمة النكراء في أفغانستان مغادرة هذا البلد وذلك بعد عقدين من خوضها حرب حملتها الكثير من التكاليف وكبدتها الكثير من الخسائر، السؤال المطروح هو هل هذا الخروج أو الانسحاب يكتب نهاية للمغامرات الأمريكية في أفغانستان، والجواب بالتأكيد سلبي، ان الفرضية الصحيحة هي ان أفغانستان تحمل الكثير من القضايا الملفتة التي لن تسمح بأي حال من الأحوال لأفغانستان ان تصبح في خبر كان بالنسبة للإدارة الأمريكية، وعلى هذا فان أمريكا وبالرغم من تقبل الهزيمة والهروب من أفغانستان إلا أنها تسعى ان تدير القضايا على نحو يعد بإمكانها العودة مجددا لأفغانستان.

بعيدا عن التطرق إلى القضايا الأخرى، فإن ما يشير إلى احتمال عودة أمريكا إلى أفغانستان هو نوع السلوك الأمريكي تجاه حكومة طالبان، والمساعدات الأمريكية وخاصة المساعدات المالية التي يتم إرسالها باستمرار إلى كابول. على الرغم من أن هذه المساعدات ضرورية لأسباب إنسانية ويوفرها المجتمع الدولي، إلا أن موافقة الولايات المتحدة هي بالتأكيد الشرط الأساسي لإرسالها. من هذا المنظار، يمكننا أن نستنتج أن المساعدات الاقتصادية والإنسانية الأمريكية لأفغانستان ربما تمثل تمهيدا لعودتها إلى هذا البلد، بفارق وهو أن الأمريكيين يعتمدون هذه المرة على تعاون طالبان. وسواء كانت طالبان ستوافق على هذا التعاون أم لا، فهذه قضية أخرى، ولكن فيما يلي مفترضين حدوث مثل هذا التعاون، سنناقش إلى أي مدى يمكن تصور هذا التعاون وعواقبه المحتملة على المستويين المحلي والإقليمي؟

جوانب التعاون الأمني الثنائي

بغية فهم جوانب تعاون أمريكا وطالبان الأمني المحتمل وفقا لنوايا أمريكا يمكن الحديث عن عدة جوانب. الجانب الأول هو احتمال تكوين التعاون الأمني الثنائي بغية قمع الجماعات التي تعدها أمريكا عدوا لها، وتشتمل على القاعدة وداعش والجماعات التي تصنفها ضمن الجماعات الإرهابية، فأمريكا ربطت التعاون مع طالبان بمحاربتها القاعدة وداعش والجماعات الإرهابية الأخرى، وبعيدا عن مدى صدقها التي لا يمكن الوثوق بها، فان هذه القضية تشكل ذريعة مناسبة لتعاون الجانبين، مع ان طالبان هي المسيطرة على الحكم ويعد بإمكانها ان تدخل في التعاون الأمني مع أي حكومة بغية مواجهة التهديدات الموجهة لها، غير انه في حال تعاونها مع أمريكا يتكرر سيناريو الحكومة الجمهورية، حيث تواجدت أمريكا طيلة العقدين الماضيين في أفغانستان عسكريا بذريعة محاربة الإرهاب وقد أبرمت اتفاقيات أمنية مع الحكومة السابقة، لكنها على ارض الواقع كانت تتابع أهدافا أخرى.

هناك قضية أخرى التي قد تجبر طالبان على التعاون الأمني مع الولايات المتحدة وهي حماية مكاتب التمثيل السياسي الأمريكي في أفغانستان إذا أعيد فتحها. عندئذ سيصبح التواجد الأمريكي في أفغانستان ذا تعريف مختلف وعلى نطاق مختلف مقارنة بالماضي. كما ذكرنا سابقا، لن يتوقف الأمريكيون أبدا عن تواجدهم المكثف والمعقد والمنتظم في أفغانستان لتأمين أهدافهم الإقليمية، وسيستخدمون بالتأكيد أي وسيلة لإجبار طالبان على التعاون. على الرغم من أن احتمال حدوث مثل هذا الشيء على المدى القصير أمر غير مرجح، ولكن إذا كان الشرط الرئيس للأمريكيين للاعتراف بحكومة طالبان وإعادة فتح سفارتها في أفغانستان هو تواجد قواتها العسكرية بحجة تأمين الأماكن الدبلوماسية، ربما توافق طالبان على ذلك.

أما القضية الأخرى التي يسهل الوصول إليها أكثر من غيرها، تتمثل في منح أفغانستان لأمريكا بهدف قيامها بأنشطة جمع المعلومات الأمنية. على الرغم من أن الأمريكيين يمكنهم التجول بسهولة في أفغانستان، إلا أنهم يمتنعون عن مثل هذه الأعمال بسبب احتجاجات السلطات الحالية في كابول ولعدم إثارة الانتباه وردود الأفعال. ولكن إذا أعطت حكومة طالبان الضوء الأخضر للأمريكيين في هذا الصدد، فيمكن للولايات المتحدة بسهولة أن تحلق بطائرات المراقبة الخاصة بها حول أفغانستان.

التداعيات

يمكن دراسة تداعيات التعاون الأمني ​​الأمريكي مع حكومة طالبان من زاوية الجوانب الإيجابية والسلبية. إذ ستتمثل جوانبها الإيجابية في المساعدة المالية الكبيرة لحكومة طالبان، والدعم السياسي غير المباشر، والدعم السياسي المباشر في حالة توسيع نطاق التعاون. أما الفائدة الأخرى لحكومة طالبان من التعاون مع الولايات المتحدة هي إمكانية تجهيز وإصلاح الأسلحة العسكرية الأمريكية، والتي تشكل حاليا غالبية المعدات التي تستخدمها طالبان. أهمية هذه القضية ناجمة عن تغيير أمريكا قاعدة أفغانستان العسكرية من النظام الروسي إلى النظام الأمريكي في العشرين سنة الماضية. تسبب مثل هذا التغيير في تحويل الاعتماد العسكري لأفغانستان من الأنظمة الشرقية إلى الغربية، مما أدى إلى إجبار طالبان على التواصل مع الولايات المتحدة للحصول على إمدادات الذخيرة والأسلحة والمعدات. لذلك، إذا تعاونت طالبان مع الولايات المتحدة، فمن الطبيعي أن تفتح واشنطن القنوات لتوفير الاحتياجات العسكرية لطالبان.

يمكن دراسة التداعيات السلبية لتعاون طالبان الأمني ​​مع الولايات المتحدة على عدة مستويات. فعلى المستوى الأول، وفي حالة التعاون الأمني ​​بين طالبان والولايات المتحدة، ستظهر انقسامات شديدة بين طالبان. طالبان، التي قدمت على أنها جماعة جهادية موحدة منذ ظهورها، في حالة التعاون المباشر مع الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تظهر مجموعتان من المؤيدين والمعارضين لهذه القضية، وستطفو الخلافات على مستوى القيادة اليمينية لطالبان والقوات المقاتلة الموالية لها مع الجانب الآخر الذي يدعم تعاون حكومة طالبان مع أمريكا. وسيؤدي ذلك إلى نهاية التماسك الداخلي لطالبان وخلق فجوة عميقة بينهما، ما قد تؤدي نتيجتها إلى انقسام في الجماعة، بل قد تؤدي إلى صراع داخلي.

أما النتيجة السلبية الأخرى ستتجلى في تحريض الجماعات الأخرى ضد طالبان. في يومنا هذا فان أكبر مجموعة نشطت ضد طالبان وصارعت حكومة طالبان هي جماعة داعش. على الرغم من أن تأثير التعاون بين الولايات المتحدة وطالبان على داعش ثنائي الجانب، إذا تم الكشف عن تعاون طالبان الأمني ​​مع الولايات المتحدة، يمكن لداعش استخدامه كدعاية وبدء جهاد آخر ضد طالبان من خلال تحفيز قواتها وتجنيد قوات أخرى. بل هناك احتمال أن ينضم جزء من حركة طالبان الأيديولوجية إلى جبهة داعش كما في الماضي. لذلك، فإن تعاون طالبان مع الولايات المتحدة، حتى لو كان يهدف ظاهريا إلى قمع داعش، سيخلق في الواقع مشكلة أكبر لطالبان مما هي عليه الآن.

النتيجة السلبية الأخرى ستكون إثارة دول المنطقة ضد حكومة طالبان. نظريا كلما تواجدت قوة عظمى في أفغانستان، تصبح قضية أفغانستان إقليمية وعالمية. يظهر التاريخ المعاصر لأفغانستان أنه كلما دخل هذا البلد في تعاون أمني مع إحدى القوى العظمى، شهد أزمة وحربا وتدخل قوى أخرى. ساد السلام في أفغانستان خلال العام ونصف العام الماضيين بسبب انسحاب الولايات المتحدة والتزام طالبان بعدم الاقتراب من قوة أجنبية. إذا تم خرق هذا الالتزام لأي سبب، أي بالتعاون مع أكبر قوة مغامرة في العالم، والتي تعارضها جميع القوى الآسيوية، ستصبح أفغانستان بالتأكيد ساحة حرب بالوكالة مرة أخرى. لأن القوى المجاورة لأفغانستان لن تسمح أبدا لأمريكا بالاستقرار في هذا البلد مرة أخرى وتسعى بشكل خفي ومعلن إلى تحقيق أهدافها في المناطق المحيطة بأفغانستان.

آخر الكلام

قد تستخدم الإدارة الأمريكية مختلف الآليات لإرغام طالبان على التعاون الأمني معها، وكما تظهر الأدلة بان واشنطن تسير في هذا المسار ومن جهتها يمكن وباتخاذ سياسة أمنية وسياسية واقتصادية واضحة المعالم حول التعاون على المستوى الإقليمي ان تقلل من حاجة طالبان إلى التعاون مع الإدارة الأمريكية وان تقوم بإدارة تداعيات تعاونها واسعة النطاق مع واشنطن.

عن خاکسار

شاهد أيضاً

كاريكاتير… معاقبة الكيان الصهيوني على الطريقة الأمريكية

 ردت صحيفة القدس العربي على سياسات أمريكا المنافقة تجاه الكيان الصهيوني بنشر رسم كاريكاتوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *